أخباراراءاهم الاخباررأي رئيسي
كتاب الله تعالى… و علومه المهجورة

يستبشر أي مسلم حين يرى أجيالا من الشباب تعنى بتلاوة القرآن و تجويده ، مئات الالاف من المقارئ و آلاف المقرئين المتقنين في مساجدنا عبر العالم و في الفضاء الازرق ، و جمعيات و مؤسسات متخصصة في تخريج المجازين و حلقات تصحيح التلاوة و معاهد تعليم احكام التلاوة بحمد الله تملء الآفاق.
هو النصّ الإلهي الخاتم الأوحد للبشرية جمعاء ، إنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، يستحق أن يتلى كما أنزله الروح الامين على قلب خاتم الانبياء و المرسلين ، و بحمد الله و فضله أن جمعا عظيما من القرّاء و العلماء و المجازين تخصصوا في هذا الفنّ العظيم و أعادوا إحياء علم القراءات و ربوّا اجيالا تتقن أحكام التلاوة و تعرف قواعدها .
كلّ هذا جميل بل رائع و لابد أن يستمر و يدوم ، لكن أين هي علوم القرآن الأخرى؟؟؟ ألم يختزل القرآن الكريم في ظاهرته الصوتية فقط لحاجة الناس لتصحيح تلاوتهم لتصح صلاتهم ؟؟ ؟ أم أن هناك قصور عظيم و جهل مطّبق بأبواب كثيرة من علوم القرآن الكريم و تخصصاته؟؟؟
رأيت الكثير ممن نذروا حياتهم لأحكام التلاوة و التجويد تعلما و تعليما و عندما تسأله عن تفسير كلمة من الآي الكريم تجده لا يعرف الشائع منها… بل من الشباب الأحداث من غرق في مقامات التلاوة و نوادر القراءات و الفروق بينها و هو يجهل أشهر التفاسير و لا يعرف شيئا عن أسباب النزول او المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ ، و قد عدّ الإمام الزركشي في كتابه البرهان سبعة وأربعين بابا في علوم القرآن الكريم، و زاد في عددها الحافظ السيوطي إلى ثمانين علما في كتابه “الإتقان في علوم القرآن” ومن هذه العلوم علم إعجاز القرآن، وعلم أسباب النزول، وعلوم التفسير التي تتفرع منها عشرات العلوم ، وعلم الرسم القرآني….
هل يقصد الابتعاد عن هذه العلوم و الفنون و قصر كلام الله تعالى على القراءة و التجويد و المباراة به في المسابقات و المناسبات و المحافل؟؟؟ أم أنه ميل فطري عند العامة نحو التغني و تذوق الصوت الحسن دون عناء تفكير و تدبر في كلام المولى عزّ وجل؟؟؟
في حواراتي مع غير المسلمين و بخاصة المتخصصين من اليهود و النصارى يستفسرون كثيرا عن فحوى القرآن و رسالته و ما الفرق بينه و بين الكتب السماوية السابقة؟ ؟ في هذا الموضوع لم أقرأ لأفضل من الشيخ محمد الغزالي طيّب الله ثراه في كتابه الثمين “المحاور الخمسة للقرآن الكريم” ، لا تخرج أي آية من كتاب الله عن هذه المحاور الكبرى :
1/ توحيد الله و علاقة المخلوق بالخالق الأحد (فالإسلام قائم على عقيدة التوحيد)
2/الكون الدال على خالقه ( فطوال قراءتك للقرآن تراه يربط بين مشاهداتك فى الكون والخلق للدلالة على الله الخالق المصور.. وتنتهى كثير من الآيات ب: ألا تعقلون ، لعلكم تتفكرون .. فهو خطاب مباشر للعقل)
3/القصص القرآنى (توقف القرآن عند بعض القصص فأوردها مفصلة كقصة سيدنا يوسف، و سيدنا موسى ،و إبراهيم… وفى كلٍ حكمة)
4/ البعث والجزاء و الحديث عن اليوم الآخر (وهو أحد أركان الإيمان )
5/ التربية للفرد والتشريع للمجتمع و الدولة ( ويدور حول ما يحبه الله سبحانه وتعالى وما ينهانا عنه من صفات وأفعال في الأنفس و في الامم )
عندما نسرد هذه المحاور عليهم، و نفتح المصحف الشريف فلا نجد آية تخرج عن سياق هذه المحاور الخمسة ، التي تتداخل بينها في السورة الواحدة بإعجاز ربّاني باهر و جرعات دقيقة ، و في وحدة موضوعية متماسكة في كل سورة قرآنية من أول آية إلى آخرها، بينما تجد الاناجيل بعهدها القديم و الجديد قصاصات قصص متناثرة و تعاليم لا ترابط بينها و لا انسجام.
ألا تحتاج علوم القرآن الكريم الى ثورة إحياء و عناية و تعليم؟؟؟ ألا يحتاج المسلمون الى هبّة تفكّر و تدبّر و مصالحة شاملة مع كتاب الله تعالى و معانيه و علومه كلّها دون القصور على التلاوة و التجويد فحسب ؟؟؟
في شهر رمضان المعظم شهر القرآن، نزيد من تلاوة كتاب الله و ترتيله و يحرص بعضنا على الإسراع بختمتين و الثلاث ختمات او يزيد ، فهلاّ خصصنا وقتا للتدبر في سورة واحدة؟؟؟ هل يمكننا قرع باب علم واحد او التعريج على تفسيرين او ثلاثة لبضع آيات كل يوم لنتفكّر و نستنبط و التفكير فريضة إسلامية؟؟؟
هي دعوة لإحياء علوم القرآن الكريم بشمولها و رحابتها و عظمها ، و لا نقصرها على علم التلاوة و احكام التجويد فحسب، مع ضرورة معرفتنا بها ، فكم من وقف في التلاوة وراءه أسرار جهلناها ؟؟؟ و كم من مدّ غرقنا في حركاته و غفلنا عن إشارة ربانية خفية فيه؟؟؟ و كم من إدغام و غنّة و إخفاء و إظهار لم نظهر على أسرارها و الحِكم الكامنة فيها؟؟.